-A +A
عبداللطيف الضويحي
يُحكى أن قروياً وجد نفسه صدفةً بين مجموعة من جيرانه القرويين وهم يركضون من أمام بيته، وكل منهم قد عض بأسنانه ثوبه فأصبح يجري معهم، أراد أن يستفسر عما يفعلون ولماذا يركضون وأين هم ذاهبون، فالتفت بسؤاله إلى أقربهم، فنهَرَهُ صاحبنا وقال: «أركض أركض يا راشد لا تتأخر». شعر بالذنب راشد مما قد يتسبب به من تأخير له ولمن يركضون فاستمر راشد يجري، مع أهل القرية. كلما أنهكه التعب والعطش، يحدّث نفسه بتساؤلاته السابقة: «أين نحن ذاهبون ولماذا يركضون؟» كل ما يعرفه راشد هو أن عليه أن يركض حتى لا يتأخر.

في حمى السباق الذي دخلته البشرية أو أُدخلت به منذ سنوات وتحت وطأة تأثير الركض المستمر والجري السريع الخاطف المواكب لثورة التقنية والرقمنة وأخيراً الذكاء الصناعي وما بعدها، جعل من الصعوبة على الكثيرين أن يلتقطوا أنفاسهم وأن يتجرؤوا ليسألوا سؤال المليون: لماذا نركض وإلى أين نتجه؟ لأن الإجابة القاطعة المعروفة -حتى الآن- هو أن علينا أن نركض ونركض ونركض لكي لا نتأخر! ليس مهماً إلى متى نظل نجري ولماذا على الجميع أن يركضوا ؟ وهل يتساوى الأفراد والمؤسسات بالركض؟ بل هل تتساوى المؤسسات بالركض ؟ ولماذا على الجميع أن يركض بنفس الوتيرة ؟ فإذا كنا حتماً لا نعرف خط النهاية وراء هذا الركض والجري في هذا السباق، فلما لا نعرف على الأقل نقطة البداية؟


حسناً... ما المشكلة إذا تأخر بعضنا عن هذا الركض؟ ما الضير من أن تمشي بعض المؤسسات الحكومية وغير الحكومية إذا كان طبيعة مستهدفاتها لا تقوم على الركض؟ لماذا لا تتوقف بعض المؤسسات عن الركض إذا كانت وظيفتها الرئيسة تتناقض مع الجري؟

السرعة مطلوبة وكذلك الجري والركض والسباقات، لكن ذلك كله يجب ألا يعني في حال من الأحوال التعاملات الإلكترونية أو الرقمنة والذكاء الصناعي غاية بذاتها، فكل المعطيات التقنية والإلكترونية والرقمية هي وسيلة وليست غاية إلا عندما تكون هذه المعطيات هدفاً بذاتها في المؤسسات الفنية والهندسية والتقنية المتخصصة والمناط بها تقديم هذه الخدمات لها ولغيرها والقيام بتطويرها وتقويتها وتحديثها.

نعم للسرعة والركض والجري والسباقات في سياقاتها وضمن مستهدفاتها، لكن هذه السرعة والركض والسباقات لا يجب أن تكون على حساب التعليم إذا كان هدف المؤسسة تعليمياً ولا على حساب الصحة إذا كان هدف المؤسسة صحياً، ولا على حساب الهدف الاجتماعي، إذا كان هدف المؤسسة خدمات اجتماعية.

أخيراً، أكتب هذا الموضوع لهذه الأسباب:

أولاً ) ليس صحيحاً أن كل المؤسسات تتساوى بحاجتها وقدرتها على تبني وتوظيف الرقمنة.

ثانياً) إن بعض المؤسسات تتناقض أهدافها مع مفهوم السرعة والركض.

ثالثاً) لا بد أن ندرك أن السرعة بقدر ما تعطينا من راحة في الاستخدام، فهي تحرمنا من السعادة المتمثلة في الحركة والراحة النفسية والكثير الكثير من الأبعاد الإنسانية.

رابعاً) أقترح القيام بدراسة تحد من الإفراط بالسرعة والرقمنة وما يصاحبها وينتج عنها في الحالات ومع المؤسسات التي لا تحتاجها ولا تتناقض أهدافها مع الرقمنة.

خامساً) أقترح تأسيس وإطلاق جمعية وطنية للحفاظ على إيقاع الحياة الطبيعية والحد من حمى الركض والسرعة الرقمية غير المبررة.